مدونة أجندة للإنتاج الفني

المدارس الفنية في إنتاج وعمل الأفلام الوثائقية

post7

المدارس الفنية في الأعمال الفنية هي مصطلح يحدد الاتجاه الفكري الذي يقوم المنتج او المخرج بانتقائه لعرض فكرة الفيلم حسب هذا الاتجاه لتحقيق التأثير المطلوب.

يقسم العديد من الناس الفيلم الوثائقي إلى ما بين أربعة أو ستة مدارس ما بين الشعري الرومانسي، وسينما الواقع، والاستكشافي، أفلام المراقبة، والأفلام التشاركية، والانعكاسية، وأفلام الدوكيودراما

ولكن هناك مدارس فنية من النادر إلقاء وتسليط الضوء عليها، مدارس ليس لها شعبية، ربما لأنها تحتاج لفنانين أكثر من كونهم مهنيين، نقوم في هذا المقال بإلقاء الضوء عليها

توجد طرق عدة لمعرفة واستكشاف التقاليد والمدارس الفنية التي اتبعها صانعوا الأفلام الوثائقية من مخرجين ومنتجين، يروا أنفسهم فنانين بالأساس-مخرجون يعالجون شكلا فنيًا وليس رواة يستخدمون الفيلم وسيطًا-ويبتكرون، على الرغم من ضغوط السوق لجذب الجمهور حتى على حساب الفن

من الأمثلة واسعة الشهرة لمثل هذه التيارات المضادة مدرسة السيمفونيات المضادة

سيمفونيات المدن :

في العشرينات والثلاثينيات، حين كانت دور السينما في أوروبا وأمريكا تعرض المغامرات الطبيعية والأخبار السينمائية التي تتناول الحروب والغرائب، كان الفنانون الذين ينتجون أعمالًا للمعارض الفنية في أوروبا خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، يتخيلون السينما (التي كانت وسيطاً صامتاً آنذاك)، من بين أشياء أخرى، كقصيدة مرئية تستطيع توحيد خبرة الحواس المختلفة، كانت هذه الفترة من فترات التجريب

استخلصت هذه المدرسة عناصر من الحركات الفنية مثل السريالية والمستقبلية، وأتاحت للناس رؤية ما لم يكن باستطاعتهم رؤيته عادة، وكان من ضمن الآلات التي أحبها الفنانون الكاميرا ذاتها، التي كانت تمثل عينًا ميكانيكية أكثر تفوقًا، كما كان يطلق عليها مخرج الأفلام الوثائقية الروسي دزيجا فيرتوف،

ومن الأمثلة الأولى لأفلام سيمفونيات المدن فيلم “مانهاتا” 1921 لبول ستراند وتشارلز شيلر، وقد تزايد إنتاج هذا النوع من الأفلام في القارة الأوروبية في أواخر العشرينات

اتخذت أفلام سيمفونيات المدن اسمها من فيلم “برلين: سيمفونية مدينة عظيمة”1972للمخرج الألماني فالتر روتمان

يوحد مصطلح “سيمفونيات المدن” الحركة الصناعية العاصفة للمدينة الحديثة مع الشكل الموسيقي الكلاسيكي الذي يظهر القدرة على تنظيم وتنسيق العديد من التعبيرات الفردية داخل وحدة واحدة، يصطحب الفيلم المشاهد إلى مدينة برلين على متن قطار، ثم في جولة لمدة يوم داخل العديد من الأنماط النابعة من تفاعل الأشخاص مع الآلات، تصل لذروتها من خلال الألعاب النارية،

في الفيلم يجري روتمان تجربة على أفكار فيرتوف عن قدرة الفيلم الوثائقي على أن يكون عيناً على المجتمع بطريقة تجاوزت قدرة الإنسان على الملاحظة

الاتجاه التجريبي :

بحث فنانون آخرون، عن طرق لاستخدام الفيلم الوثائقي كطريق لنقاء الرؤية واحتفاء بنشوة الإحساس، فقاموا في أفلامهم بتجنب متعمد لأمور تقليدية مثل الحبكة الدرامية والراوي، إنهم يقدمون طريقه أخرى لفهم ما توقعناه فقد أخرج كل من كينيث انجر، جوناس ميكاس، كارولي شنيمان وغيرهم أفلام ترجمة الحياة الواقعية

بأسلوب إبداعي على الرغم من أنهم صنفوا أنفسهم فنانين طليعيين لا مخرجين وثائقيين، وكان من أشهر الفنانين الأمريكيين الطليعيين الذين اعتبروا أنفسهم مخرجين وثائقيين وعلماء ستان براكاج.

تجربة براكاج في الأفلام الوثائقية التجريبية :

أراد براكاج من المشاهدين أن يعودوا إلى العين البريئة إلى نقاء تجربة الرؤية، لم يرد فقط مساعده الناس علي رؤية ما تتلقى بالعين من الخارج، وإنما أيضا ما تصنعه العين كنتيجة للذكريات أو الطاقة الجسمانية المنبعثة من الداخل،

فقد قال “اعتبر أفلامي جميعا أفلام وثائقية حقا إنها محاولتي للإتيان بأدق تجسيد ممكن لتجربه الرؤية” كانت معظم أعمال براكاج صامتة، ونفذت على أساس أن الرؤية فعل يتم بكل جزء من الجسم، والمدهش أن رؤاه وملاحظاته الحديدية عن الكيفية التي تعمل بها العين مدعمة بالأبحاث العلمية عن البصريات

أخرج براكاج مئات الأفلام، من أكثرها مشاهدة “ضوء العث” في عام ١٩٦٣م و “حديقة المباهج الأرضية” في عام ١٩٨١م، في هذين الفيلمين القصيرين غلف براكاج خامات طبيعية، ووضعها بين قطعتين من شريط سينمائي، ثم اتبع الصور الناتجة، وقد احتوى الفيلم ضوء العث على أجنحة عثة،

واحتوى فيلم حديقة المباهج الأرضية علي أغصان صغيرة و أزهار وبذور وحشائش، وقد خلقت الصور الناتجة بعد ذلك تجربه للمشاهدين اشارت الى الأصالة والابداع، ولكنها كانت مختلفة كل الاختلاف

الصوت في ظل تجربة الأفلام الوثائقية التجريبية :

امتدت تجربة الافلام التجريبية الى الصوت أيضا، فقد ترجم مخرج الأفلام التجريبية الألماني هانز ريختر الإيقاعات الصوتية إلى تجربة مرئية في العشرينات والثلاثينات

تعامل أيضا المخرج الهندي ميني كول الذي ترعرع فنيًا في ظل السينما الموازية المدعمة (أي الموازية للسينما التجارية) في السبعينيات على نحو متكرر مع تقليد الأغنية الهندية، الأمر الذي كان يسلب الألباب بسبب الصوت والصورة التي كانت إحدى أساليب الأداء الموسيقى الكلاسيكي المصمم لتيسير التأمل الروحي،

وتلقى مثل هذه الأعمال الضوء على الطريقة التي غالبا ما نسلم من خلالها بالصوت كأداة تواصل عاطفية ملائمة

في كل هذه الأعمال تغيب تقاليد الأفلام الوثائقية التقليدية، فلا يوجد راوي ولا يخبرنا بما يحدث، ولا خبراء يمثلون المرجعية الموثوق بها، ولا حبكة درامية تتصاعد، والحقيقة العادية مشوهة عن عمد حتى نراها على نحو مختلف،

والموسيقى التصويرية تستخدم لأغراض أخرى خلاف الإيعاز بمشاعر مرتبطة بالقصة، فالأشكال ذات الألوان الفاتحة والداكنة، والصوت التنويمي للموسيقى التكرارية، ومنظر الأجسام المأخوذة من العالم الطبيعي، وهي معروضة بأضعاف حجمها العادي، وغيرها من الوسائل الأخرى، تسهم في إخراجنا من إطار عاداتنا البصرية،

وقد ساهمت هذه التجارب في توسيع نطاق المناهج الشكلية المتاحة لصناع الأفلام الوثائقية، وفي الوقت نفسه، تتباين هذه التجارب تباينا حادا مع أكثر تقاليد الوثائقيات شيوعا، التي تستخدم غالبا في التليفزيون

المصادر :

كتاب “الفيلم الوثائقي- مقدمة قصيرة جدا” باتريشيا أوفدرهايدي

شاركنا على :
شاركنا على :
تصنيف المقالة : أفلام وثائقية
المشاهدة : 121
تصنيف المقالة : أفلام وثائقية
المشاهدة : 121
المقالة السابقة
من الفكرة إلى التنفيذ …كيف تصنع فيلم وثائقي إبداعي؟
المقالة التالية
مستقبل الأفلام الوثائقية لمحات تقارب التنبؤات
قد يعجبك أيضا
تابعونا
YouTube
Instagram
مقالات مماثلة
الأكثر قراءة